الصفحات

الجلسة الثامنة عشرة

الجلسة الثامنة عشرة من محاكمة صدام ورفاقه في قضية الدجيل




















ـ الادعاء العام يواجه صدام بمستندات رسمية عليها توقعيه وتخص قضية الدجيل، وصدام يعلق عليها بحديث عام خلاصته: نحن لا نعلم إلى أي قدر وصل التزوير في العالم لكن إذا ثبت أي شيء عليَّ من توقيع أو نحوه فأنا أتحمل مسؤوليته بل أمضى إلى ما هو أعم من هذا، وهو أن أي عراقي من الشمال أو الجنوب يقول عن صدام ما يرفع عنه ثقل تهمة ما، فأنا وحدي أتحمل مسؤولية ذلك دون أن يتحمل هذا العراقي أي شيء شريطة أن لا يكون هذا الشيء يسيء إلى سمعة ومبادئ صدام حسين.

ـ صدام حسين يقول أن هذه المحاكمة تبدو في ظاهرها كمحاكمة لكنها في الحقيقة محاسبة سياسية من أمريكا لصدام حسين؛ وعليه فهو ليس مغفلاً حتى يهتم بهذه الاتهامات الفرعية.

ـ صدام حسين يُعيد التأكيد على أن أي تعليق أو أي أمر أو أي كتاب موقع منه شخصياً يثبت أن الخط خطه والتوقيع توقعيه، فهو يتحمل مسؤوليته بما في ذلك لو كانت الكتب صادرة باسم مجلس قيادة الثورة ويترتب على هذه الكتب مسؤولية؛ فهو وحده يتحملها، وليس أعضاء مجلس قيادة الثورة! ويضيف صدام بالنص: أمَّا أمام التاريخ وأمام الشعب فأنا كنت أحترم رفاقي، وأحترم رأيهم، وأحترم قرارهم، ولكن أمام المسؤولية أنا وحدي أتحملها. 

ـ صدام حسين يكرر أيضاً ما سبق وقاله بعض المتهمين من أن الذين جُرفت بساتينهم من أهالي الدجيل جرى تعويضهم مادياً وأيضاً بأراضٍ سكنية ثم أعيدت لهم بساتينهم واحتفظوا بالتعويض.

ـ ممثل الادعاء العام يستغل ما قاله صدام عن تعويض أهالي الدجيل، ويطرح عليه سؤالاً دقيقاً وهو: هل نفهم من ذلك أن قرار التجريف كان ثورة أو غضباً آنياً؟

وصدام يبدأ إجابته بضحكة ساخرة قائلاً: الشعب لا يُغضب عليه! وأتمنى لو أن أحدكم يخرج إلى الدجيل بحمايته ويسأل أهلها كيف كان حالكم قبل ثورة تموز 1968م وحالكم بعدها؟ 

ـ صدام حسين يلمح إلى أن بساتين الدجيل وكذلك بيوتها كانت ملتصقة ببعضها، وإعادة ترتيبها من جديد أفضل لها! وربما ما كان لمحاولة الاغتيال في الدجيل أن تتم لولا وضع البساتين على هذا النحو! 

ـ الادعاء العام يواصل مواجهة صدام بالتهم المنسوبة له، وصدام يتجاوب مع هذه الأسئلة على غير عادته، ويجيب عليها محاولاً المحافظة على كبريائه.

ـ ممثل الادعاء العام يعرض لصدام بعض أقوال طه ياسين رمضان المتعلقة به، وصدام يعلق عليها بقوله: أي شيء يقوله الرفيق طه ياسين فهو صادق فيه، ومثل ذلك ما يقوله برزان.

ـ صدام حسين يقول: أنه كان يقول أنه لا يعرف أن القضاء العراقي نزيه حتى يحكم على أحد أبنائي أو أخواني! وتطبيقاً لهذا القول وصلني أنه حكم على ابن طارق عزيز حكم بالسجن سبع سنوات، والقاضي ليس لي به معرفة شخصية لكني اعتبرت قراره عادلاً من غير أن أطلع على الحيثيات، ومن ثم قمت بتكريمه حتى يُشاع في أوساط القضاة بأن صدام يُكرم لمَّا يحكم على ابن مسؤول كبير.

ـ ممثل الادعاء العام يعترف بأنه متردد هل يصف مداني الدجيل بأسماء الضحايا أو بأسماء الأشخاص؟ وصدام يطالبه بأن يصفهم وفق القانون، فيرد عليه ممثل الادعاء بأن القانون يسميهم ضحايا فظهر على وجه صدام الحرج!

ـ صدام حسين يتضايق من ممثل الادعاء العام؛ لأنه يكرر أسئلة سبق وأن أجاب عليها، ويقرأ عليهم خطابات بفحوى واحدة، ولو استعرضوا جميع هذه الخطابات ـ بحسب ما يقول صدام ـ لاحتاجت إلى لوريات كي تأتي بها.

ـ صدام يؤكد على أن جميع من عمل معه في ديوان الرئاسة مؤتمنين، وأن شخصاً واحداً فقط تجرأ على التزوير فحكم عليهم بالمؤبد أو الإعدام(الشك من عند صدام)

ـ بات صدام أكثر ليونة مع القاضي رؤوف وممثل الادعاء العام جفعر الموسوي، بينما صارت تعبيرات وجه القاضي أكثر دلالة وكذلك ممثل الادعاء، إن المشاهد يشعر بأن القاضي وممثل الادعاء العام باتا يحسان أنهما يمسكان بزمام القضية والمحكمة أيضاً.

ـ صدام حسين ينفي أن يكون قد أعدم أحداثاً دون السن النظامية، ويرى أن الأوراق التي تشير إلى ذلك مدسوسة لتشويه سمعته، أما إذا اعترف قاضي محكمة الثورة بأنه حاكم أشخاصاً لهم هذه السن فهو صادق.

ـ صدام حسين يقول أن المستندات التي ورد فيها اسم حسين كامل إذا كانت صحيحة؛ فإن حسين كامل بينه وبين أخي برزان خصومة بسبب رفض برزان زواجه من ابنتي؛ وعليه فهو ـ أي حسين كامل ـ قد يكون واقعاً تحت هذا التأثير ويرغب في الإساءة إلى برزان.

ـ تغيرت ملامح صدام، وصار أكثر ثقة بنفسه، واعتداداً بما فعل حين تطرق الحديث إلى أنه أمر باطلاق صفة الشهداء على من قتلوا خطأً في أحداث الدجيل، وإحالة المخطئين بحقهم إلى المحكمة وفق القانون.

ـ بات صدام الآن أكثر تجاوباً مع أعضاء المحكمة، وصار يتحدث بتلقائية وكأنه بدأ يألف هؤلاء وينسجم مع طريقتهم ويتجاوب مع أسئلتهم.

ـ اعترف صدام أنه تألم لأحوال المتحتجزين من أهالي الدجيل لذلك أمر بإطلاق سراحهم فسأله ممثل الادعاء العام: ما هو تفسيرك لحجز هذه العوائل مدة أربع سنوات بدون توفير أدنى متطلبات العيش، وبدون اتهام حيث مات البعض منهم هناك في الصحراء: ما هي جريمتهم؟ فكان رد صدام بالتهكم على لفظة الصحراء مؤكداً أن هذه قرية نموذجية! بنيت بأموال الدولة العراقية، وأنه أي صدام توهم حين استمع لشكوى بعض الشهود الذين تقدموا للمحكمة توهم أنهم عانوا في هذه القرية لكنه اطمأن وارتاح حين سأل أحد هؤلاء الشهود: هل كنتم تستطيعون إغلاق الباب عليكم؟ فكانت إجابتهم أنهم كانوا يستطيعون ذلك؛ وعليه فهم كانوا أحراراً، والقضية مجرد حجز (صدام تنبه إلى خطورة كلمة حجز فاستبدلها بتغيير) تغيير محل السكنى هم في قرية نموذجيةـ وكل عائلة في بيت له غرفتان، وبه حمام أو حمامين، وبه مطبخ، وبه أواني، وهذه التجهيزات لا يملكها رئيس الدولة صدام في سجنه الآن! بل إن باستطاعتهم بشهادة إحدى النسوة اللاتي حضرن أن يحتطبوا من الصحراء المحيطة بالقرية بل ويمنحون مواد البطاقة التموينية، وعاد صدام ليؤكد عدم معرفته بأن ثمة أناساً محتجزين من أبناء الدجيل بدليل أنه لما عُرض عليه أمرهم وجه بإعادتهم على الفور، وبرر صدام استمرار حجزهم طوال هذه الفترة بأن مدير الأمن العام، ووزير الداخلية تغيرا خلال هذه الفترة، فربما توهما أن الرئاسة على علم باحتجاز هؤلاء!

ـ ممثل الادعاء العام يعرض أسماء القاصرين الذين تم الحكم عليهم بالإعدام في أحداث الدجيل وأعمارهم بين الثانية عشرة ودون الثامنة عشرة.

ـ صدام يعلن عدم اعترافه بالمستندات التي تعرض على المحكمة ويشكك فيها، ويقترح لأجل كشف جلية إعدام القاصرين أن يتم تشكيل لجنة دولية من الصين ومصر وألمانيا وفرنسا بوصفهم أخصائيين في الموميات؛ للكشف عن الجثث التي يُزعم أنها لأحداث؛ ليتم التوثق من سنها، وممثل الادعاء العام يرد: ليس قبل أن نعرف مكان دفن الجثث!

ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يعترض على مخاطبة صدام له بالاسم المجرد، ويعرض عليه أن يناديه صدام وهيئة الدفاع بأي وصف يرونه مناسباً دون الاسم الشخصي المجرد!

ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يبتسم لأول مرة لطرفة قالها صدام، ويحاول أن يواري هذه الابتسامة بخفض رأسه دون جدوى!! ابتسامة القاضي كأنها إيماءة بصحة كلام صدام ودقة استنتاجه!! والطرفة التي وردت على لسان صدام هي أنه يقترح البحث عن هؤلاء القصر المزعوم إعدامهم في مدارس الدجيل التي كانوا بها للتيقن من قضية إعدامهم كذلك أن يُسأل أخوانهم وأقاربهم عنهم حتى يؤكدوا لنا خبرهم، ثم يستدرك بأنهم الآن يسمعوني؛ وعليه يبدو أن الأوراق سيُعاد ترتيبها من جديد!

ـ ممثل الادعاء العام يسأل صدام: هل تؤيد التعذيب أثناء التحقيق؟ فيجيب صدام وأنت ماذا صنعت حيال التعذيب الذي أخبرتُ المحكمة أني تعرضت له أثناء التحقيق؟!

ـ ممثل الادعاء يعرض فيديو يظهر فيه صدام وهو يتحدث عن أن قلبه لا يتأثر بمن يخرج مجروحاً أو مكسراً أو مدفوناً ويخيس! أو بمن يموت في التحقيق ليس له قيمة، وصدام يعلق عليه بأن تاريخ الفيديو غير محدد، والسياق الذي ورد فيه غير معروف؛ وعليه لا يجوز توظيفه على النحو الذي يريده ممثل الادعاء العام، ويشير صدام أنه كان يتحدث في الفيديو عن العدو الخارجي.

ـ محامية صدام وأحد هيئة الدفاع عنه يتنافسان في طلب الأذن من القاضي لدرجة أن المحامية مسكت كتف المحامي لتثنيه عن الحديث، فيرد عليها المحامي بالوقوف وهو لا يزال رافعاً إصبعه(استعراض إعلامي)

ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يتهم المحامية بأنها غير منضبطة، ودائماً تفتعل الضجة داخل القاعة، وما كادت المحامية ترد على القاضي حتى قـُطع الصوت والصورة عن المشاهدين، ثم أمر القاضي بفتح دعوى على المحامية وفق قانون الاجراءات الجزائية.

ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يقول: الله يكون هو الشاهد أنتم أمانة بيد المحكمة وهذه المحكمة لا تأثير عليها من أيٍ كان بغير سلطان القانون فاطمئنوا (لا أظن ذلك)

ـ أحد محاميي صدام (المحامي المصري) يطرح سؤالين على ممثل الادعاء العام وهما: هل كان موكلي(صدام) رئيساً رسمياً لدولة العراق في ذلك الوقت؟ وهل كانت دولة العراق لها نظام دستوري معترف به عالمياً ودولة ضمن الأمم المتحدة؟ ثم يدفع المحامي المصري بأن هذين السؤالين سيحققان البراءة لموكلة من جميع التهم التي قورف بها؟ وممثل الادعاء العام يرد عليه بأن من حق الادعاء العام عدم الإجابة! فرد عليه المحامي بقوله: إذاً أثبت ذلك.

لكن المحامي يطرح سؤالاً ثالثاُ لكنه يسميه سؤالاً ثانياً وهو: كيف حصلت على هذه المستندات؟ 

رد عليه ممثل الادعاء العام: "هذه حصلنا عليها من خلال توجيه كتاب إلى دائرة الأحوال المدنية في صلاح الدين هذا بالنسبة لمستندات اليوم، والأخرى جلبها أشخاص ومنظمات وهيئات"

ـ ممثل الحق المدني يسأل صدام: هل يجوز أن يُحاكم مدنيون أمام محكمة عسكرية ويحكم عليهم جنرالات؟ فيرد عليه صدام: بأن الجريمة التي ارتكبت ضد رئيس الدولة وقعت في وقت حرب وقليل من القانونيين لم يكن عسكرياً وأيضاً المدعي العام كان نائب ضابط بالجيش؟ 

ثم يسأله سؤالاً ثانياً: ورد في أقوالك أنك قمت بمحاولة اغتيال للزعيم الخالد عبدالكريم قاسم.. حينها اعترض القاضي رؤوف عبدالرحمن على هذا السؤال بأنه لا علاقة له بموضوع المناقشة فرد عليه ممثل الحق المدني بأن لدينا زميلاً مصرياً فما رأيه باغتيال السادات؟ فاعترض المحامي المصري على ذلك بأن لا دخل للسادات بالموضوع ورسم هذا السؤال بسمات على وجه صدام وممثلي الادعاء العام. لكن ممثل الحق المدني أكد أنه يريد بهذا السؤال الربط التاريخي بين الحادثتين ليسأل صدام: ما ذنب النساء والأطفال حتى يؤذوا لمجرد أن أقاربهم اتهموا بمحاولة اغتيالك؟ فرد عليه صدام بقوله: لا يعرف المتحدث الآن أن الأطفال والنساء داخل البيوت(اعترض القاضي رؤوف على صدام لأن كلامه هذا خارج الموضوع فرد عليه صدام بأن سؤال ممثل الحق الشخصي أيضاً خارج الموضوع فسكت القاضي وأكمل صدام حديثه) فلماذا شعرته لم تهتز لمقتل هؤلاء واهتزت فقط للزعيم الخالد!! ثم حلف صدام حسين بأنه لا يكره عبدالكريم قاسم مع أنه (أي صدام) أطلق عليه الرصاص! ثم قال صدام أنه تعرض أثناء حكم الزعيم الخالد سنة 1959 للاعتقال وهو في نهاية المرحلة الثانوية كما اعتقل أخوته وأعمامه وأخواله ثم إنه اعتقل سنة 1964 في عهد الزعيم الخالد الآخر(عبدالسلام عارف) لأنه كان يحضر (مع البعثيين) لانقلاب على الحكم وكان صدام مسؤول الخط العسكري فيه، وفي التحقيق قلت لهم: أنا المسؤول فقالوا: وأحمد حسن البكر فقلت لهم: لا إنه صديق عبدالسلام عارف مع أنه كان المسؤول الأعلى مني لكنني كنت مسؤول الخط العسكري ومتحمس للثورة فلا بد أن أتحمل بشرف دفاعاً عن الشخص الأكبر مني وأخذت المسؤولية على عاتقي واعتقل أقربائي اعتقل اثنا عشر ألف عراقي على محاولة لم تحصل كبحت قبل 72 ساعة من تنفيذها والآن أي شيء يحصل تسمعوه!! جثث العراقيين في الشوارع من كافة التيارات والدم العراقي غالي أياً كان صاحبه حتى لو كان... اعترض عليه القاضي وطلب منه عدم الخروج عن الموضوع.

ـ أسجل ملحوظة هنا وهي أن العلاقة بين القاضي وصدام صارت أكثر مودة من السابق، وبات صدام يتأدب مع القاضي، والقاضي يبادله ذات التعامل! فهل عقد الاثنان صفقة أم أنهما توصلا إلى أن هذا هو الأسلوب المناسب لتسير المحكمة وفق ما يأمله كل واحد منهما؟ أم أن القاضي بعد أن شعر أنه ممسك بزمام المحكمة صار أكثر تسامحاً مع صدام بعد أن أغلظ عليه في القول، ومنعه أكثر مرة من الكلام أو التعليق!!

ـ محامي صدام خليل الدليمي يعترض على ممثل الادعاء العام لأنه يجتزئ بعض العبارات ويهمل أخرى، ولا يقرأ النص الذي أمامه كاملاً، وهو يكرر بعض العبارات التي تثير الهياج العام والشعبي عمداً.

ـ محامي صدام خليل الدليمي يشكك في صحة الأوراق التي عرضها ممثل الادعاء العام والتي يزعم أنها صادرة من المخابرات إلى رئاسة الجمهورية، ويستند في تشكيكه على ورودها بدون ختم المخابرات، وخلوها من الترويسة التي تثبت صدورها منها.

ـ محامي صدام خليل الدليمي يشكك في صحة التواقيع التي يزعم الادعاء العام أنها لرئيسه صدام حسين، ويرى أنها غير متطابقة مع توقيع موكله صدام، ويقترح على المحكمة أن تقارن توقيع موكله على الوكالات التي فوضه بها محامياً عنه بالتواقيع التي مع الادعاء العام.

ـ ينبه محامي صدام إلى أن جميع الكتب المكتوبة بخط اليد والتي عرضها الادعاء العام مكتوبة بخط واحد مما يدل على أن شخصاً واحداً كتبها، وهل يعقل ـ بحسب وصفه ـ أنه لا يوجد غير كاتب واحد لكتابة كل هذه الخطابات؟!

ـ ممثل الادعاء العام ينفعل بشدة ويعترض على تشكيك محامي صدام في المستندات التي يزعم أنها مكتوبة بخط اليد، ويؤكد وهو يصرخ بأن كل هذه المستندات مطبوعة، ويتهم محامي صدام بأنه يتحدث خلاف الحقيقة، والقاضي رؤوف عبدالرحمن يوجه ممثل الادعاء إلى أنه سيعطيه فيما بعد الفرصة، والطريف أن القاضي بسكوته أثناء اعتراض ممثل الادعاء العام يكون قد منحه بالفعل الفرصة الكاملة لإبداء ما عنده!!

ـ ممثل الادعاء العام ينفجر ثانية اعتراضاً على كلام محامي صدام (تم حجب ما قاله محامي صدام من الدائرة التلفازية) ويؤكد أن المحامي إذا كان يمثل شخصاً واحداً، فإن ممثل الادعاء العام يمثل الشعب العراقي، والقاضي رؤوف عبدالرحمن يُعيد الحديث الهزلي معه ثانية بأنه سيمنحه الفرصة ليقول ما عنده، وهو يخاطبه بأدب واحترام على نحو لا يفعله مع هيئة الدفاع عن صدام التي كثيراً ما يكون محتداً على أعضائها طالباً منهم عدم الخروج على موضوع المحاكمة في الوقت الذي يسمح فيه ببعض التجاوزات من ممثل الادعاء العام!

ـ محامي صدام خليل الدليمي يوضح للمحكمة بأن أي عراقي يتوفى سواء أكانت الوفاة إعداماً أم طبيعية فإنه يُستخرج له شهادة وفاة، وجميع شهادات الوفاة التي عرضها الادعاء العام مستخرجة ومقيدة بتواريخ بعد الـ 2003 أي بعد احتلال العراق!

ـ محامي صدام خليل الدليمي يؤكد أن المضاهاة لا تكون إلا على الأوراق الأصلية؛ وعليه فإنه لم يُعرض عليهم أي ورقة أصلية، وهو يطالب بأن تعرض هذه الأوراق على جهة محايدة منبهاً إلى أن وزارة الداخلية قطعاً ليست جهة محايدة!

ـ محامي صدام خليل الدليمي يسأل الادعاء العام عن عدد الذين اشتكوا من عوائل الـ 148 الذين تم إعدامهم.

ـ محامي صدام خليل الدليمي يشير إلى أن العوائل التي تم إبعادها عن الدجيل كانوا يشكلون خطراً في منطقتهم، وعلى هذا الأساس تم إبعادهم إلى منطقة أخرى، ولم يتم احتجازهم أو سجنهم كما يزعم الادعاء العام بل كانوا يتمتعون بكامل حريتهم وحرية التصرف في أموالهم.

ـ محامي صدام خليل الدليمي يشكك في صحة الشريط المرئي الذي عرضه الادعاء العام ويرى أنه تم الاشتغال عليه.

ـ ملحوظة: اعتراضات محامي صدام صيغت بعبارات ركيكة وغير متماسكة، وهذا أمر مستغرب على محامٍ في مثل شهرته يترافع للدفاع عن شخصية ذائعة الصيت كصدام!

ـ محامي صدام يخاطب رئيس المحكمة: في جلسة 15 إن تصريحك عن موكلي السيد الرئيس صدام حسين قلت له بأنك متهم في قضية جنائية خطيرة، بقتل أناس أبرياء في قضية الدجيل، كررت العبارة مرتين أمام المحكمة، وأمام زملائي هيئة الدفاع، وجميعهم يسمعون وهي مسجلة، النقطة الثانية قلت لموكلي بأن الظلم الذي أصاب الشعب العراقي بسبب كوبونات النفط، وأننا لسنا معنيين بما تقوله على أصدقائك الأمريكيين بالأمس وأعدائك اليوم! وأنك تتصرف مع هيئة الدفاع بغير ما تتصرف به مع هيئة الادعاء العام، فقلت وهددت المحاميين بإرسال من يخالف منهم مخفوراً وهذا مخالف للقانون!!

فرد عليه القاضي: من يتسبب في بلبلة ألا نطبق عليه القانون؟ نحن محكمة ولسنا قاعة فوضى! وصدر المحكمة واسع، ونحن نريد تحقيق العدالة، وهذا لا يحدث إلا في حال توفير الهدوء في المحكمة، فرد عليه محامي صدام: وإذا كان أحد المحاميين قد وقع في مخالفة(المحامية اللبنانية بشرى الخليل) فلا يجب أن يعمم الحكم والتهديد على الجميع من يخالف سمِّه بالاسم، وطبق عليه قانون الاجراءات الجزائية(محامي صدام خليل الدليمي يطعن زميلته من الخلف، ويبدو أكثر إصراراً من المحكمة على استبعادها)

ـ محامي صدام يواصل قراءة اعتراضاته: أعلنت الجلسة الماضية سرية، وقطع البث التلفازي مرات عديدة، ولا يوجد شيء يوجب السرية، وهذا الأمر مخالف لإجراءات العلنية!! فرد عليه القاضي رؤوف عبدالرحمن: بأن أي محكمة في العالم تحدث فيها بلبلة فمن الطبيعي أن يُتخذ فيها مثل هذا التصرف(الطريف أن المحامي المصري كانت تظهر صورته أثناء حديث القاضي، وكان يومئ برأسه تأييداً للقاضي، واقتناعاً بما يقول مما يدل على أن فريق الدفاع عن صدام تشغلهم أمور أهم من الدفاع عنه، وأنهم ليسوا على قلب رجل واحد، ولعل عدم دفاع محامي صدام العراقي عن زميلته المحامية اللبنانية بشرى الخليل، وتأييده الضمني لطردها خير دليل على ذلك لقد كان محامو صدام يتنافسون فيما بينهم على ...) 

ـ ختم المحامي العراقي اعتراضاته على المحكمة بمطالبة القاضي رؤوف رشيد عبدالرحمن بالتنحي قائلاً: لهذه الأسباب وللأسباب الماضية، وباسم هيئة الدفاع وباسم موكلي ولتحقيق العدالة ولإزالة الشكوك أطالب حضرتك بالتنحي، ورفع يدك عن هذه القضية(كان المحامي المصري الظاهرة صورته يحرك رأسه ويده بما يشير إلى اعتراضه على هذه المطالبة، وعدم رضاه عما قاله رئيس هيئة الدفاع عن صدام ) رد عليه القاضي بأنك قدمت الطلب إلى الجهة الخطأ، ويفترض بك أن توجهه إلى رئيس المحكمة الجنائية العراقية العليا، وهو الذي يدرس هذه الطلبات، ويملك الرد عليها، فقال له محامي صدام: أنا أقدم هذا الطلب عن طريقك، فقال له القاضي: ايت بخطابك هذا، وسأسلمه لهم، ولكن إلى أن يأتي الجواب عليه المحكمة ستستمر في إجراءاتها سواء أحضرت أنت أم لم تحضر!

(هل كان رئيس هيئة الدفاع عن صدام يعوِّل على عامل الوقت أي لعل شيئاً يحدث ويتم الإفراج عن صدام؟ لقد ذكر محامي صدام بعد شهور لاحقة في لقائه مع تركي الدخيل في برنامج إضاءات أنه كانت هناك محاولات لفك أسر صدام من السجن لكنه رفض الإفصاح عن تفاصيلها)

ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يتحدث بلغة عربية ركيكة، ومن ذلك هذه الجملة التي لا يفرق فيها بين المذكر والمؤنث: "إلى أن تجي الجواب... المحكمة مستمرة في اجراءاتها" وأمثال هذا الخطأ وقع كثيراً منه.

ـ أحدي محاميي صدام (عراقي يبدي ملاحظتين: الأولى: على القرص المدبلج فهو مأخوذ من قناة العربية التي ليس لها من العربية سوى الاسم، وهذا أمر يعرفه العراقيون، ونحن يؤسفنا أن الادعاء العام يأخذ من وسائل الإعلام التي يمكن لها أن تصطنع أفلاماً غير حقيقية، وهذا أمر يمكن ملاحظته مع الصور واللقطات التي عرضوها مع هذا الخطاب، والنقطة الأخرى بشأن الهويات أو وثائق الأحوال المدنية التي أبرزت، فرئيس الادعاء العام قال في جلسات ماضية إن عدد الذين حكم عليهم بالإعدام وهم دون سن العشرين اثنان فقط ثم قفز هذا العدد في جلسة اليوم إلى ثمان وعشرين شخصاً!!

ثم أضاف بأن البطاقة التموينية للعراقيين بدأت في عام 1990م وإذا أخذ العراقي بطاقة تموينية فإن بطاقته الشخصية تثقب، ولو لاحظنا فإن معظم الهويات التي أبرزت كانت مثقوبة مما يدل على أن أصحابها كانوا موجودين حتى عام 1990م 

ـ محامي صدام القطري نجيب النعيمي يلتمس من القاضي رؤوف عبدالرحمن أن يصفح عن زميلته المحامية اللبنانية بشرى الخليل لأنها سيدة..أمرأة!! وثانياً لأنها ضيفة! والمرأة بطبعها عاطفية وتنفعل أكثر من الرجل لذلك وإذا كان القاضي رؤوف عبدالرحمن طبق بحق زميلته المادة 153 من قانون أصول المرافعات فالمادة نفسها تنص على أنه يجوز لرئيس المحكمة الصفح قبل انتهاء الجلسة فأكرر الطلب ويتفق معي جميع الزملاء في هذا الطلب وأنا أكبرهم سناً وأنا محامي من سنة 1960م لهذا السبب أرجو الإجابة إلى طلبي والشكر مقدماً(كان القاضي يومئ برأسه أثناء قراءة المحامي لطلبه هذا وتشيع في وجهه علامات الاستحسان والرضا لما قاله ويلاحظ هنا أن الطلب جاء من المحامي القطري ولم يأت من رئيس هيئة الدفاع العراقي الجنسية الذي لم يطالب بإعادة المحامية أو يتحفظ على قرار المحكمة بطردها بل اعترض فقط على أن لهجة المحكمة أثناء طردها والتي أوحت أن جميع هيئة الدفاع ارتكبوا ذات المخالفة التي أوجبت طردها ) بعد انتهاء طلب المحامي القطري همس القاضي رؤوف عبدالرحمن لمن يقف يمينه وشماله من قضاة المحكمة بما يوحي أنه يشاورهم في أمر الصفح عن المحامية، وقد صفح عنها القاضي في وقت لاحق مشترطاً عليها الالتزام بأنظمة المحكمة. 

لم تظهر صورة المحامي وهو يتلو هذا الكلام بل ظهر صدام، وبدا من وجهه أنه يصغي إلى ما يقوله المحامي بشيء من الاستغراب وعدم الإعجاب، ويبدو أن هذا ما شدَّ المخرج التلفازي ولعل صدام كان يخشى أن يقول المحامي كلاماً لا يعجبه لكنه ما لبث أن وضع يده على فمه مما يدل على أن ظنه لم يكن في محله. 

ـ داخل مقطع فيديو الجزء الثامن للجلسة الثامنة عشرة يوجد مقطع مكتوب عليه"تسجيل" بدل مباشر وهو يأتي بعد رفع القاضي للجلسة الثامنة عشرة، ولا أدري هل هو جزء محذوف منها قامت المحكمة فيما بعد بنشره، أو أنه من الجلسات التاسعة عشرة والعشرون التي لم أعثر على تسجيلات لها؟!

ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يوجه سؤالاً إلى رئيس محكمة الثورة عواد البندر أنت كنت رئيس محكمة الثورة عدة سنوات، وقد أصدرت أحكاماً باسم الشعب وبموجب القانون؛ فهل أنت في الأساس حاصل على شهادة القانون أو كلية الحقوق؟ فقال نعم تخرجت من كلية الحقوق عام 1967 م من جامعة بغداد، وانتميت إلى نقابة المحامين، ومارست المحاماة ثلاث سنوات، وفي عام 1983م عينت رئيساً لمحكمة الثورة، وبقيت فيها إلى عام 1990م 

ـ عواد البندر يقول أن جميع المتهمين في قضية الدجيل حُكم عليهم بالإعدام، ولم يُحلْ إلى المحكمة إلا من ثبت تورطه في محاولة الاغتيال، أما من ثبتت براءتهم فتم الإفراج عنهم في أوقات لاحقة.

ـ عواد البندر يطلب من المحكمة إحضار إضبارة محكمة الثورة لأن فيها براءته مما اتهم به، ويتساءل أمام القاضي رؤوف كيف تكون أوراق الحكم على مداني عملية اغتيال الدجيل حاضرة أمامك والإضبارة التي تحوي 360 صفحة من اعترافاتهم ومرافعاتهم غائبة عنك؟ والقاضي يسأله: وأين هذه الإضبارة؟ فيرد عليه عواد البندر: بأن كثيراً من المشتكين وكذلك المدعي العام أكدوا أنهم حصلوا على الوثائق التي تشتمل على مقتبسات الحكم وشهادات الوفاة من جمعية السجناء الأحرار، وهذه الجمعية غير حكومية وغير رسمية، وهذه الجمعية انتقت من الأرواق ما يضرني وتركت ما ينفعني! فرد عليه القاضي بإجابة غير مقنعة وهي قوله: أنت قاضٍ سابق وجرت العادة على أن القضاة يحتفظون بالقرارات المهمة!

ـ عواد البندر يؤكد أن محكمة الثورة انتدبت محاميين للدفاع عن المتهمين بسبب عدم توكيلهم لمحاميين، وأن هؤلاء المحاميين دافعوا دفاع أصولي، وكذلك فعل المتهمون، وعندما سأله القاضي رؤوف عبدالرحمن كم محامياً انتدبتم للدفاع عن هؤلاء 148 متهماً أجابه عواد البندر بأنه محامٍ واحد فقط! ( ترافع عن صدام في قضية الدجيل أكثر من ثمانية عشر محامياً وبثت جلساتها على الهواء بينما لم تسمح محكمة الثورة ـ التي رأسها البندرـ للمتهمين في قضية الدجيل إلا بمحام واحد لا يعرف أحد اسمه ولا كيف كان دفاعه! هذا إذا سلمنا أن ثمة محام بالفعل، وفي رأيي أن محاكمة صدام على علاتها وتحيزها الجلي أكثر إنصافاً للمتهمين من محكمة الثورة)

ـ اللغة التي يتحدث بها عواد البندر توحي بأنه يبحث عن براءته مما اتهم به ولديه أمل في ذلك!

ـ المتهم عواد البندر يؤكد أن قرارات محكمة الثورة يجوز الطعن عليها من قبل الدائرة القانونية، وأنهم في محكمتهم كانوا يرفعون هذه الأوراق لتميزيها، ويتجاوبون مع الملاحظات التي تسجل عليها.

ـ عواد البندر يؤكد أن المحققين ساوموه بين أن يكون شاهداً في القضية على صدام حسين أو يدبرون له قضية، وبالفعل دبروا له قضية، وهو يلتمس الحماية من القاضي بعد الله، ويتمنى من المحكمة البحث عن إضبارة قضية الدجيل؛ لأن بها براءته مما اتهم به! (لا يخفى على المشاهد أن لغة البندر فيها خضوع واستجداء للقاضي، وحسن ظن بالمحكمة)

ـ لأول مرة ـ على الأقل أمام شاشات التلفاز ـ يتكلم العضو الثاني في الادعاء العام منقذ تكليف مبدر الفرعون(هكذا هو اسمه الرباعي) والذي كان يجلس دوماً على يسار رئيس الادعاء العام جفعر الموسوي، ولا ينبس سوى بالهمس في أذنه، لكن تحدث هذه المرة وناقش البندر في أقواله وكان حاسماً في أسئلته دقيقاً في استنتاجاته، ومن ذلك أنه سأل عواد البندر: هل كان للدائرة القانونية في رئاسة الجمهورية حق نقض قرارات المحكمة أم هي دائرة استشارية فقط؟ فأجاب البندر: إن هذه الدائرة لها حق النقض من خلال إبداء رأيها لرئيس الجمهورية الذي يقوم إما بنقض القرار أو إعادة المحاكمة أو العفو فرئيس الجمهورية هو الذي يملك هذه الصلاحيات بمشورة من الدائرة القانونية، فرد عليه ممثل الادعاء العام: إذاً هي دائرة استشارية وليس لها صلاحيات النقض!

ـ ممثل الادعاء العام يسأل عواد البندر: هل يحق لذوي المتهم أو للمتهم نفسه أن يطلب نقض القرار ويطعن فيه؟ فأجابه عواد البندر: لا أدري هل يحق للمتهم أم لا لكن من حق ذوي المتهم أن يتقدموا بالشكوى إلى رئيس الجمهورية، وكثيراً ما يعفو رئيس الجمهورية عن بعض الأشخاص(الطريف أن ذوي المتهمين لم يسلموا من أذى صدام فتم تهجيرهم من الدجيل و حبسهم في قرى لوحدهم، وعليه فهم لم يسملوا من أذاه حتى يلتمسوا منه أن يعفو عن أقاربهم المدانين)

ـ ممثل الادعاء العام يقرر للقاضي: أنه وفقاً لكلام المتهم فإن هذه المحكمة قراراتها باتة، ولا يجوز الطعن فيها، وهي تعرض على لجنة السلامة الوطنية، وهي لجنة استشارية وليست قضائية للطعن في القرار، وهي تبين رأيها لرئيس الجمهورية والصلاحية له في حال الإعفاء أو التصديق على الحكم، وعواد البندر يسأل القاضي: سيدي هل أنا مسؤول عن هذا الموضوع فرد عليه القاضي: بأن هذه ليست محسوبة عليك.

ـ ممثل الادعاء العام يذكِّر المحكمة أن اثنين من الذين صدر عليهم حُكم بالإعدام، ونجيا منه بالخطأ سبق لهما وأن حضرا إلى هنا و،نفيا أن يكونا قد حضرا محاكمتهما باعتبارهما من مداني الدجيل، بل إنهما عندما كانا محتجزان في معسكر لِيَّا الصحراوي، وأفرج عنهم مع الأهالي عادا إلى وظائفهما، وهذا يؤكد على أن المحاكمة التي نفذتها محكمة الثورة كانت صورية وعلى الورق فقط! وعواد البندر يسأل القاضي: هل يجوز أن يشهد المدان الذي حُكم عليه بالإعدام على القاضي الذي حكم عليه؟ والقاضي يجيبه بأن غرضهم هو الوصول إلى الحقيقة ولا يقصدونه لذاته. 

ـ يمكن ملاحظة مدى الانسجام النفسي بين القاضي رؤوف وممثلي الادعاء العام في نظرات عيونهم، وطريقة تخاطبهم مع بعضهم حتى ليخال المشاهد الذي لا يعرف آلية عمل المحاكم أنهم زملاء عمل واحد من فرط الألفة والتقدير الذي يشيع في تعاملهم مع بعضهم.

ـ ممثل الادعاء العام يسأل عواد البندر: هل كانت محكمتكم تصلها أوامر من جهة معينة في الدولة بأحكام معينة أو ما شابه ذلك؟ فيجيبه عواد البندر: أنا سبق ووضحت للمحكمة أن رئيس الجمهورية بشخصه قال لي: لا تظلم بريء، ولا تأخذك في الحق لومة لائم، وإذا كان ثمة عضو قيادة قطرية يخابرني على قضية لا بد أن أخبر رئيس الجمهورية حتى يحاسب على تدخله في عمل المحكمة، ويحكم عليه بالفصل والسجن ثلاث سنوات.

ـ ممثل الادعاء العام يبرز وثيقة رسمية موجهة من رئيس محكمة الثورة عواد البندر إلى ديوان الرئاسة وتبين أنه قاضٍ ظالم ومتملق لرئيسه صدام حسين، وقد قرأ ممثل الادعاء العام الوثيقة كاملة وورد فيها : السيد رئيس ديوان الرئاسة المحترم تحية وتقدير اتصل بي السيد قاضي السلامة الوطنية مستفسراً بشأن المادة الواجبة التطبيق في قضايا التهجم والإشاعات المعادية، وأود أن أطرح وجهة النظر التالية: إن الشخص الذي يستهدف مقام السيد الرئيس القائد حفظه الله في التهجم أو الإشاعة بقصد وسبق إصرار يعني ذلك أنه يستهدف رمز الأمة وأملها، وهو عدو خطير للوطن والثورة ولكل العراقيين، وأرى أن تشكل لجنة للتحقيق في مثل هذه الحالات حصراً على أن يمثل فيها الحزب والأمن والاستخبارات والمخابرات تدقق في خلفيات المتهم وعائلته وأقاربه، وموقفهم من الحزب والثورة، وحربنا العادلة، فإذا كان كلام المتهم خبيث وجارح، ووجدت اللجنة أن هناك ما يشير إلى وجود خلفيات معادية له أو لعائلته وأقاربه؛ عليها أن توصي بإحالته إلى وفق المادة 156 من قانون العقوبات؛ لأن فعله الإجرامي من شأنه أن يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها، ويلتقي مع أفعال الأحزاب المعادية في النتيجة ويستحق الإعدام، أما إذا كان التهجم أثناء السكر أو الانفعال، ولم تكن الكلمات جارحة، وتأكدت اللجنة من عدم وجود خلفيات معادية له ولعائلته؛ فتوصي بإحالته وفق المادة 225 من قانون العقوبات التي حدها الأعلى السجن سبع سنوات على أن تلتزم المحكمة بتطبيق الحد الأعلى للعقوبة.

للتفضل بالاطلاع، وأرى أن هذا المقترح ينسجم مع توجيهات السيد الرئيس القائد حفظه الله في أسلوب تطبيق العدالة، وإنزال العقاب المناسب بالمسيء، التوقيع عواد أحمد البندر رئيس محكمة الثورة في 10/1/1985م أهـ.

وجاء تعليق ممثل الادعاء العام عليها على النحو التالي: لنفرض جدلاً أن عائلتي أنا معادية للنظام، وأنا غير معادٍ له لكن في إحدى الجلسات والإنسان مرات تسبق الكلمة لسانه بدون قصد تفوهت بكلمة فهل أصبح معادياً للنظام وأعدم وفق ما يقوله؟! 

وكان رد عواد البندر: بأن هناك سعي لتدبير قضية عليَّ، وتهمة لإدانتي! وإلا فما علاقة هذه الوثيقة بقضية الدجيل؟! يا سيدي: المحققون هددوني كن شاهداً على صدام حسين، وإلا دبرنا لك قضية وتخيس بالسجن! فسأله القاضي رؤوف وما علاقة هذا الكلام بقضيتنا؟! فأجابه البندر: كالعلاقة بين هذا الموضوع (الذي ذكره الادعاء العام) وقضية الدجيل! ثم أضاف عواد البندر بأنه لم يكتب خطابه السابق من تلقاء نفسه، وإنما كان إجابة على سؤال طرح عليه، وأن غرضه مما ورد في الخطاب هو حماية من كان سكراناً، وتكلم بكلام بحيث لا يساوى بمن كان له دافع وقصد جنائي، فكلامي ـ يقول البندر ـ في صالح المتهم الذي ليس له عداء مع النظام وتشاجر أو كان سكراناً، وأرجو يا سيدي القاضي أن تأخذ هذا دليلاً على أن الادعاء العام يبحث عن أدلة مصطنعة لإدانتي( تعليقي: وهل السجن سبع سنوات قليل في حق من كان سكراناً أو متشاجراً وزل لسانه بكلمة غير جارحة على رئيس الجمهورية؟ بل هل الإعدام عقاب عادل مع من كان سكراناً وزل بكلمة جارحة على رئيس الجمهورية؟)

ـ القاضي وممثلي الادعاء العام نموذج كالح على الواقع اللغوي البائس الذي يرسف فيه القضاء والعدل العراقي، فالواحد منهم لا يستطيع أن يقيم عبارة واحدة دون أن يقع في خطأ نحوي أو صرفي، أما ركاكة الأسلوب وشيوع العامية فهو الأصل في حديثهم كله!( إلى عقود قريبة كان العراقيون هم أساتذة العرب في اللغة لكن أدعياء القومية حين حكموهم أعادهم إلى عصور أجدادهم الأعاجم)

ـ عواد البندر يعترض على إطلاق تسمية ضحايا وصفاً لمتهمي الدجيل من قبل ممثل الادعاء العام، ويرى أنهم مدانون وليسوا ضحايا، ويطالب المحكمة بشطبها من سجلاتها، والقاضي يرد عليه بأن هذا الأمر متروك لتقدير المحكمة، وأن الادعاء العام حرٌ فيما يقول مثلما أنت حرٌ فيما تقول.

ـ أحد المدعيين بالمسؤولية المدنية يسأل عواد البندر: تقول أنك تلوت هذه القرارات أمام الـ 148 شخصاً في نفس اليوم! فكم جلسة استغرقت محاكمة الـ 148 شخصاً بالإعدام؟ وهو قرار خطير جداً! وكيف تسنى للمحكمة تدقيق الأوراق التحقيقية، وهناك لجان عفو طبية عرض عليها أشخاص صغار أعمارهم دون السن القانوني؟ وهل جوَّز القانون العقابي في المادة 74 منه أن يحاكم القاصر؟ وهل كان لا يوجد هناك قانون رعاية القاصرين والأحداث؟ 

فأجابه القاضي رؤوف بأن المتهم سبق وأن حدد المدة بـ 17 يوماً هي مدة المحاكمة، وأيدَّ عواد البندر القاضي في ذلك نافياً في الوقت عينه أن يكون قد حكم على قاصر قط، مؤكداً أن من أصدر عليهم حكمه يتجاوزون العشرين عاماً، وهو يطالب المحكمة بإضبار القضية لدحظ أقوال المدعي بالحق الشخصي.

ـ عواد البندر يذكِّر المحكمة أن أعمار العراقيين في حفائظ نفوسهم غير دقيقة! ويضرب لهذا مثلاُ بأن ميلاده في شهر 7 ومثله كثير من العراقيين، وأن تدوين ميلاده لم يسجل له إلا وعمره عشر سنوات أثناء دخوله المدرسة، وبعض العراقيين ـ بقوله ـ يلجؤون إلى تصغيير أعمارهم حتى يهربوا من التجنيد العسكري، فأجابه القاضي: هذا الأمر كان قبل عام 1958م.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات متاحة للجميع