الجلسة السادسة عشرة من محاكمة صدام ورفاقه في قضية الدجيل
عدد مقاطع هذه الجلسة أربعة ومدة أقصرها أحد عشر دقيقة وأطولها مدته ساعتين إلا بضعة دقائق.
ـ محمد العزاوي ينفي أن يكون اشترك في كتابة التقارير عن أهالي الدجيل أو مداهمة بيوتهم أو اعتقال أحد منهم أو تجريف بساتينهم، وعندما قرأ عليه ممثل الادعاء العام اعترافاته التي أدلى بها لقاضي التحقيق نفى المتهم الكثير منها، وأنكر أن يكون ورد على لسانه الأسماء التي جاءت بها، وإنكار هذا المتهم بعض ما ورد في اعترافاته التي ادعاها قضاة التحقيق سبق وأن قالها كثير من المتهمين! مما يثير الشك حول أمانة هؤلاء القضاة في تدوين اعترافات المتهمين.
ـ محمد العزاوي أمي لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك فإن اعترافاته لقضاة التحقيق المحررة في المحضر الرسمي تشتمل على ألفاظ وعبارات يستحيل أن ينطق بها شخص أمي مما يدل على أنه قُوِّل أشياء لم يقلها!
ـ عواد البندر يفيد بأن محاكمة مداني الدجيل الـ 148 استغرق أسبوعين، وعندما سأله القاضي رؤوف عبدالرحمن كيف أمكن لكم الاستماع إلى كل هؤلاء في هذه المدة القصيرة؟! أجابه بأن بلاده كان تعيش حالة حرب مع إيران! وأن المدانيين اعترفوا أمام قضاة التحقيق والمحكمة بصلتهم بإيران وحزب الدعوة الذي تُقيم قياداته فيها؛ لتنفيذ هذه العملية وعرضت اعترافاتهم هذه في وسائل الإعلام.
ـ عندما سأل القاضي رؤوف عوادَ البندر عن عدد إطلاقات النار التي تعرض لها موكب صدام في الدجيل؛ أفاد المتهم بأن المعركة استغرقت أيام! وعلى هذا الاعتبار فالإطلاقات تبلغ ملايين، وعندما تعجب القاضي من كلامه ولم يستسغه! قال المتهم بأن المدانيين أسقطوا طائرة، وقتلوا من فيها، وقتلوا أيضاً أفراد من الحماية!
ـ سأل القاضي رؤوف عبدالرحمن عواد البندر: هل جميع هؤلاء هم مشتركون في عملية الاغيتال؟ أم أنه معترف عليهم من غيرهم؟ أم بسبب صلة القرابة التي تربطهم بالمشاركين في العملية؟ أو كونهم أعضاء في حزب الدعوة؟ فقال عواد البندر أن جميع هؤلاء اعترفوا بانتمائهم إلى حزب الدعوة، واشتراكهم في محاولة اغتيال صدام حسين.
ـ لُكنة القاضي غير العربية تظهر في إحدى عباراته وهي:"هذا حزب معادي للسلطة" فقد نطق الطاء تاءً(سلته) ومثل هذا تكرر كثيراً معه ومع القاضي الكردي السابق رزكار أمين.
ـ عواد البندر يبرر المدة القصيرة للنظر في قضية مداني الدجيل: بأن الوضع كان غير طبيعي، فالبلد تخوض حرباً مع إيران يُقتل فيها يومياً عشرات الآلاف على الحدود! وإيران بلغت مشارف البصرة واحتلت الفاو! والقائد الأعلى للقوات تعرَّض لمحاولة اغتيال، وإيران أذاعت خبر هذه المحاولة فور وقوعها، وهذا يفرض علينا رداً سريعاً، كما أن المادة (د) من نظام العقوبات تجيز تطبيق الحكم على المتهم فور اعترافه، لكن القاضي رؤوف لا يزال مصراً على أن النظر في القضية يحتاج إلى أن يطلع القضاة على الإفادات والشهود والمطالعات والتقارير، وكل هذه تأخذ وقتاً طويلاً لا تكفيه مدة أسبوعين حتى لو عملوا خلالها ليلاً ونهاراً! والقاضي بحسب وصفه لا يخضع لأي ضغط سياسي أو نفسي بل يتجرد من كل هذه المؤثرات، القاضي وكيل الله في أرضه.
ـ استفزت القاضي رؤوف رشيد عبدالرحمن عبارة قالها عواد البندر فتوهم فيها شيئاً لا أظن البندر كان يرمي إليه، فقد قال البندر: أنا عراقي وأعرف ظروف بلدي! فرد عليه القاضي عجلاً: وأنا عراقي مثلك! بل أنا أكثر عراقية منك! فرد عليه البندر: أرجوك أنت لست أكثر مني عراقية أنا عراقي وأنت عراقي! فحاول القاضي رؤوف عبدالرحمن أن يبرر كلامه بقوله أنا أقصد أني عراقي تبعية عثمانية فرد عليه البندر: وأنا تبعية عثمانية وعراقي أباً عن جد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم(أعتقد أن القاضي رؤوف قال في نفسه ليتني سكتُ لأنه هرب من شيء متوهم ليقع في شيء متيقن)
ـ استأذن عواد البندر من القاضي رؤوف ليمنحه جزءاً من الوقت؛ ليعبر فيه عما يخلتج في صدره، فوافق القاضي على ذلك مشترطاً عليه أن يكون حديثه متعلقاً بهذه المحكمة، فبدأ المتهم بالقراءة من ورقة أمامه، فلما شرع في تلاوة افتتاحيته التي نصها: بسم الله الرحمن الرحيم حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم! اعترض القاضي على ذلك، وتساءل هل هذا دفاع؟ فرد المتهم عواد بتأثر: أنا مسلم يا سيدي أبدأ بآية من القرآن الكريم تبركاً بكلام الله! فأومأ القاضي له بالإكمال.
ـ عواد البندر يُخبر المحكمة بأن ظروف اعتقاله كانت سيئة، وأساليب التحقيق معه في الاعتقال كانت غير إنسانية تعتمد على التعذيب الجسدي والنفسي، وتمت مساومته فيها ليتحول من متهم إلى شاهد، وحين رفض عوقب بتحويله من شاهد إلى متهم! يقول البندر: أخبرتهم أني قاضي وليس عندي شهادة على أحد قالوا نعلم ذلك، وإذا وافقت على ما نريده منك رتبنا أمورك! وما يريدونه مني ـ يقول البندر ـ هو أن أقول أن السيد الرئيس(صدام) أمرني بإعدام رؤساء العشائر، ورؤساء الأحزاب السياسية المعارضة، وعندما أجبتهم بأن الرئيس على النقيض من ذلك كان يأمرني بأن لا يُظلم بريء! طلبوا مني أن أقول ذلك عن برزان التكريتي؛ فأجبتهم بأن لا علاقة لبرزان بهذه المحاكمة! كما أن هناك أمر يمنع جميع المسؤولين في الحزب والدولة من التدخل في قرارات المحاكمة؛ فغضب المحققون، وتوعدوني بالانتقام، وأنهم سيبحثون لي عن تهمة، وأني سأقضي بقية حياتي في السجن! إن لم تكن العقوبة أشد! وبالفعل لفقت لي تهمة في ليل، وعُرضت على محكمتكم في قضية الدجيل.
ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يفاجئ الجميع بمعلومة خاطئة، وهي أن تنفيذ الحكم في مداني الدجيل تم مباشرة بعد صدور الحكم عليهم! مما اضطر عواد البندر إلى تنبيهه إلى أن هذه المعلومة خاطئة، وأن تنفيذ الحكم فيهم تم بعد سنة.
ـ عواد البندر يدافع عن نفسه بأن حاله كقاضي مع مداني الدجيل، كحال قضاة المحكمة معه الآن، فكما أن ليس لقضاة هذه المحكمة عداوة مع المتهمين، فكذلك حاله مع أولئك.
ـ ممثل الادعاء العام يلمح إلى أن المحكمة التي أعدمت مداني الدجيل لم تنتدب محامين لهم كما جرت العادة، ويستدل على ذلك بخلو مستندات المحكمة من أسمائهم؛ فيرد عليه عواد البندر بأن الكاتب سها عن ذلك بدليل أن أحد المستندات يثبت أن أحد المدانين كان يترافع عنه محام، لكن ممثل الادعاء العام أخبره بأنهم لم يعثروا على المستندات التي تثبت مخصصات مادية لهؤلاء المحامين الذين جرت العادة على منحهم أتعابهم من صندوق المحكمة!
ـ عواد البندر يصر على أنه لم يكن للمحكمة خيار آخر سوى إصدار هذا الحكم وفقاً للقانون! على متهمين اعترفوا بمحاولة اغتيال رئيس الدولة لصالح دولة معادية، وأي محكمة أخرى ليس لديها خيار آخر غير هذا!
ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يسأل عواد البندر هل جميع المدانين الـ 148 تم عرضهم على المحكمة؟ (القاضي هنا يلمح إلى المستندات الرسمية التي صدرت بعد حكم المحكمة بثلاث سنوات، وتفيد أن ثلث المتهمين قضوا تحت التعذيب، ومع ذلك عُرضت أسماؤهم على المحكمة، وصدرت عليهم أحكام بالإعدام) فأجاب عواد البندر بأن هذا غير صحيح، وأن هذه المستندات والأقوال ما هي إلا تصفية حسابات بين برزان التكريتي وفاضل البراك، وأنه يتمسك بشهادة وضاح الشيخ التي أدلى بها قبل وفاته بثلاثة الأيام، ونفى فيها حدوث هذا الأمر، وأكد أن حكمه هو المستند الرسمي على الحادثة فور وقوعها، أما الذي أثير فقد صدر بعد ثلاث سنوات من الحكم!
ـ حين عجز عواد البندر عن نفي حادثة وفاة بعض المتهمين في المعتقل فاجأ المحكمة بإجابة نزلت عليهم كالصاعقة! وهي قوله أنه من الطبيعي أن يموت بعض المتهمين في المعتقل، وعندما تعجب القاضي رؤوف من كلامه وانذهل! أجابه عواد البندر: ألم يمت بعض رفاقي الذين اعتقلتموهم في السجن؟ ثم ذكر بعض الأسماء (طبعاً من الجور في الحكم عقد مقارنة بين من قتلوا تحت التعذيب الشديد أو تمت تصفيتهم انتقاماً منهم، وبين من ماتوا لظروف السجن السيئة والأمراض التي اعترتهم فيها أو كانوا مصابين بها من قبل، وما وجده عواد البندر ورفاقه من تعذيب جسدي ونفسي في السجن لا يمكن مقارنته بما عاناه العراقيون في سجونهم ومعتقلاتهم طوال خمسة وثلاثين عاماً)
ـ عرض ممثل الادعاء العام أوراق تثبت أن ثمة متهمين عرضوا على المحكمة وأعمارهم بين الحادية عشرة والسابعة عشرة، وأدينوا بالإعدام فنفى عواد البندر ذلك، وقال إني أتأكد من أعمارهم بناء على سؤالهم، ثم سأله ممثل الادعاء: ما تفسيرك لإيقاع عقوبة الإعدام ببعض المتهمين في عام 1989م في إشارة منه إلى بلوغ أصغر هؤلاء سن الثامنة عشرة فلم يستطع عواد البندر الإجابة!
ـ وكيل المتهمين عبدالله كاظم رويد وابنه مزهر عرض على المحكمة طرح سؤال على عواد البندر، وغرضه منه إظهار الحق وهو: اتهم وكيلي بأنهما كتبا تقريران أمنيان في بعض المدانين؛ وعليه فإني أسأل المتهم عن طريق محكمتكم الموقرة: هل عُرض هذان التقريران على محكمة الثورة الملغاة حينما نظرة في قضية الدجيل، وهل شاهد المتهمين؟ وما كان الإجراء المتخذ بصددها؟ فسمح القاضي رؤوف عبدالرحمن للمتهم عواد البندر بالحديث لكنه ما أن بدأ في نفي رؤيته للمتهمين الاثنين حتى فاجأه القاضي بقوله: إن المتهم لا يجب أن يدلي بشهادة في حق متهم آخر! لكن القاضي وافق بعد لأي على الاستماع لشهادة عواد البندر على سبيل الاستيضاح فقط، فأكمل البندر شهادته نافياً أن يكون قد رأى المتهمين أو شاهد التقارير المزعومة.
ـ طه ياسين رمضان (طه الجزراوي) يدلي باعترافاته لدى المحكمة، ويلتمس من القاضي رؤوف عبدالرحمن أن يتسع صدره لحديثه، والقاضي يشترط عليه أن يكون حديثه متعلقاً بالقضية غير خارج عنها.
ـ الإخراج التلفازي لوقائع المحاكمة غير محايد! فالمخرج يركز الكاميرا على وجوه المتهمين؛ لتقرأ أثر كلام القاضي أو الادعاء العام أو الشهود عليها، ولا سيما حين يكون الحديث مؤثراً أو يتناول نقاطاً حساسة أو حاسمة! أما حين يتحدث المتهمون فإن الكاميرا تتحاشى أن تقع على وجه القاضي أو الادعاء العام إلا نادراً أو في المواضع التي لا تسبب حرجاً لهم!
ـ طه ياسين رمضان يتعجب من محاكمتهم لمجرد أنهم حاكموا المتورطين في محاولة اغتيال صدام حسين، والذين اعترف من قـُبض عليه منهم بأنهم حاولوا اغتياله! كما أن من هربوا منهم إلى إيران عقدوا مؤتمراً صحفياً أبلغوا فيه العالم بما فعلوه قبل أن يُعلن العراق ذلك! بل إنهم عقدوا قبل فترة مؤتمراً في بغداد تحدثوا فيه عن محاولتهم هذه! ثم خاطب طه ياسين رمضان القاضي رؤوف عبدالرحمن: كأنكم يا سيدي القاضي الأول بهذه المحاكمة تقولون للرئيس صدام حسين ومن معه: لماذا تم إلقاء القبض على من قام بهذا العمل ضدكم، وقد كانوا يقصدون النيل من حياتكم فقط؟! لماذا ألقي عليهم القبض من قبل الأجهزة الأمنية؟ وما هو سبب التحقيق معهم؟ وتفسير الأحكام التي صدرت بحق من ثبت اشتراكه في هذه الجريمة؟! أو بالأحرى لماذا لم تكرموهم على ما قاموا به؟! أو تمكنوهم أن يكرروا فعلتهم هذه بنجاح بعد أن اخفقوا في المرة الأولى؟! وإلا بماذا نفسر اعتبار الرئيس صدام حسين ورفاقه متهمين في هذه القضية المسماة بقضية الدجيل؟! إن هذه القضية ـ بحسب وصف طه رمضان ـ ستكون أعجوبة العصر، وستتحدث بها الأجيال مئات السنين، وستتجاوز هذه الأعجوبة ما يتندر به أحياناً في مجتمعنا على قوانين أو محاكم قراقوش حيث يُحاكم رئيس بلاد شرعي؛ لأنه تم التصدي لموكبه بالسلاح، وكان القصد من ذلك اغتياله(في هذه الأثناء كان رئيس الادعاء العام يرفع إصبعه اعتراضاً على حديثه لكن القاضي لم يوقفه) واستمر طه ياسين رمضان في حديثه نافياً أن تكون له علاقة بهذه القضية، وأنه زج باسمه فيها عقاباً له لرفضه التجاوب مع سياسة الترغيب والترهيب التي اعتمدت معه في السجن، وتم حشد شهود زور؛ لصنع دور له في هذه القضية التي لو كـُلِّف من الرئيس صدام بالعمل فيها لما توانى طرفة عين! لأنها تتعلق بأمن قائد البلاد، ثم ذكر طه ياسين رمضان جانباً من التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له من قبل المخابرات الأمريكية التي اعتقلته، وكيف أسيء إليه في المسكن والمأكل والمشرب، وكيف أن اهتمام هؤلاء انصب على السؤال عن مكان صدام حسين، وجزمهم بأني على معرفة به، وقد نفيت ذلك، وكنت صادقاً في نفيي؛ فركلني أحدهم برجله، وأسقطني على الأرض، وطلب مني الزحف على مرفقي كما يزحف الجنود في التدريب، وعندما قلت لهم إني متعب أنهال العساكر الثلاثة علي بالضرب بالعصا الألمنيوم، وبأرجلهم، وأجبروني على الزحف على الأرض، وفي كل مرة كنت أتوقف فيها يزيدون من ضربهم إياي وإساءتهم لي حتى أصبت بالإجهاد والأعياء، وبدأت الدماء تسيل من مرفقيَّ وركبتيَّ لمدة تقرب من الساعتين ثم طلبت منهم ماءً أشربه؛ فأحضروا لي ماءً ساخناً، فلما قلت لهم إنه ساخن! جاؤوا بماء بارد جداً! وألقوه على رأسي وجسمي، وقالوا هذا هو الماء البارد، وهكذا ستسقى كلما احتجت إلى الماء ما لم تقل لنا أين مكان اختفاء صدام حسين؟ ثم استمروا في عقابهم لي بالسير على أرضية خشيبة دون توقف، وإلا تنهال العصي على جسدي مع شتائم سوقية أربأ بنطقها في هذه المكان! ثم ذكر طه ياسين رمضان ألوان متعددة من التعذيب الذي تعرض له، والذي يُقصدُ به إجباري على الاعتراف بما لا أعرفه، وهو مكان صدام حسين(وقعت الكاميرا أثناء حديثه لأول مرة على وجه القاضي رؤوف وكان ممتعضاً ومتضايقاً، ولكن لا ندري هل بسبب تأثره مما حصل لطه ياسين رمضان أو لإطالته في عرض ما تعرض له وخروجه عن موضوع القضية ( ومع ذلك يُحمد للقاضي أنه لم يَنهَهُ عن ذلك، وأتاح لنا كمشاهدين أن نستمع إلى هذا التوثيق التاريخي لما تعرض له الرجل الثالث في العراق بعد صدام وعزة إبراهيم من قبل سلطة الاحتلال الأمريكي التي زعمت أنها جاءت لتحرر العراق من سلطة البطش والخوف) ويكمل طه ياسين رمضان حديثه عما لاقاه في معتقله الأمريكي فيذكر أنه تعرض لشيء أشبه بالأزمة القلبية أثناء التحقيق معه، فتوهم أن منيته قد اقتربت، فرفع سبابته بالشهادة، وتلفظ بها، فما كان من أحد سجانيه إلا أن سأل المترجم عن ماهية ما يصنع؟ فأخبره أن هذا ما يفعله المسلمون حين يأتيهم الموت! فما كان من الجندي الأمريكي إلا أن وطأ برجله على إصبعه السبابه ليمنعه من ذلك، وخاطبه بأنهم لن يسمحوا له أن يموت، ولكنهم سيقربونه منه حتى يبدي تعاونه معهم، فلما استعصى عليهم قالوا له: نحن نعرف أن صدام يغير مكانه من حين لآخر؛ وعليه فلو كنت تعرف مكانه لأصبح ذلك غير ذي جدوى في العثور عليه لكن نريد منك أن تصعد معنا في طائرة محلقة، وترشدنا إلى الأماكن التي كان سبق لها واختفى فيها، ولن نخبر أحداً بتعاونك معنا، وأغروه بأشياء أخرى تعفف طه ياسين عن ذكرها للمحكمة ثم أضاف بأنه رد عليهم بشيء من الانفعال: هذا دور وواجب لا يُناط برجل مثلي لأنه لا يليق بي لأننا في العراق نسمي من يقوم بهكذا دور للسلطة الوطنية وكيل أمن وهي تسمية لا تشرف صاحبها وتجلب له العار والاحتقار وعدم الاحترام من قبل الآخرين! فكيف إذا كان هذا الدور يؤدى للأجنبي المحتل، وليس أنا بعد هذا التاريخ الذي يعرفه الخيرون الشرفاء من أبناء شعبي وأمتي عني مع تأكيدي عملياً أني لا أعرف أين يتواجد صدام حسين؛ لأني أعتقد أن هذا من الخصوصيات الذاتية للعمل السري بعد ذلك أجابه الضابط بأنه لا فائدة منك، وأنك أكثر عداء من صدام حسين لأمريكا، وبعد ذلك استمر التعذيب إلى نهاية الأسبوع وبدؤوا يسألونه عن مصير الطيار الأمريكي الذي سقطت طائرته في العراق(في هذه اللحظة تدخل القاضي رؤوف، وأمره بالكف عن هذا الحديث، وذكَّره بأنه متهم بقضايا جنائية، وطلب منه تركيز حديثه عن دفع هذه التهم عنه، وتجنب هذا الحديث الذي هو أشبه ـ بحسب كلام القاضي ـ بالمذكرات التي لا علاقة لها بالمحاكمة)
ـ ممثل الادعاء العام جعفر الموسوي يطلب من القاضي رؤوف إجراء تحقيق مع الأشخاص الذين تورطوا في تعذيب طه ياسين رمضان، والقاضي يعد بالنظر في ذلك، وطه ياسين رمضان يشكرهم(ترى ولو لم يكن طه ياسين رمضان كردياً أكان القاضي يتيح له هذا الوقت الطويل في المرافعة ثم يتعاطف معه ممثل الادعاء العام بالتوصية بالتحقيق مع من عذبه؟ لأن هذا الأمر لم يحدث مع جميع المتهمين الآخرين الذين تعرضوا لألوان من التعذيب ـ بحسب زعمهم ـ تشاكل ما تعرض له طه ياسين رمضان)
ـ طه ياسين رمضان يذكر أن الأمريكيين طلبوا منه أسماء قيادات المقاومة وأماكنهم وسيكافئونه على اعترافه هذا(في هذه اللحظة تدخل القاضي رؤوف ونبهه إلى المقاومة ليست قضيتهم في هذه المحاكمة وطلب منه أن يُعرض عنها)
ـ طه ياسين رمضان يرى أنه زُج باسمه في قضية الدجيل بناءً على مساومة رخصية جرت مع وضاح الشيخ، وأن لا علاقة له بقضية الدجيل حيث أنه لم يكلف بشيء من الرئيس صدام بل لم يكلف أكبر مسؤول أمني وهو وزير الداخلية! وأن وضاح الشيخ لا تتوفر فيه الشروط القانونية للشاهد لأنه مطرود من المخابرات العراقية ومحكوم عليه بسبعة وعشرين عاماً سجناً! وعندما أذعن لما طُلب منه في الشهادة عليه (على طه ياسين) تم نقله إلى المستشفى ليتلقى العلاج، وتم تحويله من متهم إلى شاهد.
ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يسأل طه ياسين رمضان: هل كلفك صدام برئاسة اللجنة الأمنية التي تجري التحقيقات المبدئية لهذه الحادثة؛ فينفي طه ياسين رمضان ذلك، وينبه إلى أن مسؤولياته كنائب لرئيس مجلس الوزراء لا علاقة لها البته بالأجهزة الأمنية، وأنه لم يكلف بمهمة أمنية قط، ثم يُشير إلى أن الرئيس صدام سيعطي المحكمة معلومات مفصلة حول هذا الأمر، ومثله الرفيق برزان وغيره من المسؤولين الأمنيين ثم يتعجب طه ياسين رمضان من أن وضاح الشيخ هو الشاهد الوحيد على ذلك، وهو يزعم أنه شاهدني ضمن الحضور مع أن مكانتي كنائب لرئيس مجلس الوزراء تجعلني أتقدم الصفوف، ويكون حضوري ملحوظاً للجميع، وبإمكان المحكمة أن تسأل جميع هؤلاء صدام وبرزان ووزير الداخلية سعدون شاكر وغيرهم هل سبق وأن سمعوا مني أي حديث عن دور لي في هذه القضية طوال السنوات التي التقيت فيها بهم مراراً.
ـ طه ياسين رمضان يؤكد أن جميع مزارع الدجيل التي تم تجريفها عُوِّض أصحابها عما أصابها، وأعيدت لهم ليزرعوها من جديد.
ـ القاضي رؤوف عبدالرحمن يسأل طه ياسين رمضان هل مديرية الأمن العامة تابعة لوزارة الداخلية؟ وطه ياسين ينفي ذلك، فيقوم ممثل الادعاء العام بعرض أوراق تثبت تبعية مديرية الأمن العامة لوزارة الداخلية في ذات السنة التي وقعت فيها حادثة الدجيل، غير أن طه ياسين رمضان يوضح بأن فصل مديرية الأمن عن وزارة الداخلية وارتباطها بالرئاسة تم في نهاية السبعينات، وهذا الأمر يعرفه كل العاملين في الأجهزة الأمنية العراقية، وإذا صحت هذه الورقة فهي إما قديمة أو نموذج قديم لم يتخلص منه العاملون في مديرية الأمن العامة.
ـ طه ياسين رمضان يلفت نظر القاضي رؤوف عبدالرحمن إلى أن القضية الوحيدة التي اتهم بها هي قضية الواحد والتسعين(قمع ثورة الشيعة) لكنه فوجئ باتهامه فيما بعد بقضية الدجيل وكأن اسمه زج بها عمداً.
ـ مستوى فصاحة القاضي في اللغة متدنية جداً، وليس للأمر علاقة بكرديته؛ لأن فرص تعلم اللغة العربية، والحديث بها كانت متاحة لجميع العراقيين، وإنما هو ضعف التحصيل العلمي، وإفلاس مخرجات تعليم اللغة العربية في العراق في الحقبة البعثية(مجرد رأي)
ـ الادعاء العام يعرض مستنداً به توصية باستمرار حجز بعض أهالي الدجيل عام 1984م وفيه إشارة إلى أن طه ياسين رمضان هو من أمر بذلك، لكن طه ياسين رمضان يؤكد أن هذا المستند مزور، وإن لم يكن كذلك فهو يأمر المحكمة بأن تحكم عليه بالإعدام!
ـ محامية طه ياسين رمضان تحكم على محاضر التحقيق التي أجريت معه بأنها كاذبة ومزورة، وفيها أشياء غير منطقية تتناقض مع سياق إفادة موكلها طه ياسين رمضان، وتستدل على ذلك بعبارة وردت فيها، وهي نعت نظام صدام حسين بالنظام السابق، وهي صفة لا يمكن لطه ياسين رمضان أن يتلفظ بها على النظام الذي لا يزال يرى أنه النظام الشرعي للبلد، وأن صدام حسين هو الرئيس له؛ وعليه فإنها تشكك في كل معلومة وردت في الإفادة لم ترد على لسان موكلها في المحكمة، وتبني عليها رد كل ما جاء في هذه الإفادة، ويتناقض مع ما قاله موكلها في جلسات المحكمة، والقاضي عبدالرؤوف عبدالرحمن يعد بالنظر في ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
التعليقات متاحة للجميع