الجلسة التاسعة عشرة

الجلسة التاسعة عشرة من محاكمة صدام ورفاقه في قضية الدجيل




ـ نظام المحكمة غير واضح في أذهان المحامين أو أن هذا النظام مضطرب فمحاميّ صدام يعترضون على ما يقوم به الادعاء العام من مداخلات تقطع حديثهم، فيما يؤكد الادعاء العام أن ذلك من حقه وحده، وأن ليس ـ في المقابل ـ للمحامين الحق في مقاطعته! والقاضي يوافق الادعاء العام فيما يدعيه، لكنه لا يجزم بذلك ولا يحزم بل يلت ويعجن بكلام لا يؤسس عليه شيء!

ـ ممثل الادعاء العام الرئيسي جعفر الموسوي منفعل على غير عادته، ويرفع صوته عالياً! وكثرت مقاطعته للمحامين الذين كانوا أكثر هدوءاً منه.

ـ ممثل الادعاء العام يخاطب المحامين منفعلاً: إذا كان لديكم أدلة براءة للمتهم؛ زودوا الادعاء العام بها حتى يعرضها!

ـ أحد المحامين يعرض وثيقة تثبت أن أحد الذين أصدرت عليهم محكمة الثورة أحكامها ينتمي إلى حزب الدعوة العميل! وهو المتهم جاسم ناجي عبد حيث أثبت ذلك في إفادة له إلى قاضي تحقيق محكمة الثورة، وقاضي المحكمة عبدالرؤوف عبدالرحمن يسأل المحامي عن الهدف الذي يريد الوصول إليه من عرض هذه الوثائق الواحدة تلو الأخرى، والمحامي يجيبه: الغرض هو إثبات أن المتهمين منتمين إلى حزب محظور، والقانون ينص على إعدام من ينطبق عليه هذا الفعل! لكن القاضي رؤوف عبدالرحمن يعترض على الزج باسم الحزب، ويغضب من ذلك ويسأل المحامي عن أساس التهمة! ثم يستدرك بعد ذلك، ويطالب بتجنب إصدار أوصاف على الحزب( كثيراً ما يغضب القاضي رؤوف حين يُنعت حزب الدعوة بالعميل )

ـ يبدو أن الإفادات التي عرضها المحامي أربكت القاضي رؤوف، وأثارت قلقله وحيرته، وغاية ما علق به عليها أن طلب من المحامين إرفاقها بالمطالعة النهائية على النحو الذي يفعله الادعاء العام.

ـ يواصل محامي عواد البندر إرباك القاضي رؤوف والمحكمة، ويعرض وثيقة عبارة عن كتاب موقع من قاضي التحقيق، ومرسل إلى ديوان الرئاسة دائرة شؤون السلامة الوطنية، ويذكر فيه إحالة القضية التي تحتوي على 361 ورقة! ويقترح على المحكمة أن تطلع على هذه القضية المتكونة من هذه الأوراق الـ 361 ورقة، ويرى أن من الواجب على المحكمة أن تطلع عليها، ويقول : إنه يقيناً لا شائبة على الحكم الذي أصدره موكلي والذي استند فيه إلى اعترافات صريحة من قبل المحكوم عليهم، وبمقتضى الأحكام المرعية التي تـُعاقب على التعرض لموكب رئيس الجمهورية، واعترافهم بالانتماء إلى حزب محظور، وإن أياً من الحالين يعاقب عليه القانون بالإعدام.

ـ أثنى محامي عواد البندر على أحكام محكمة الثورة، ووصف أحكامها بالمنصفة وقضاتها بالباع الطويل في مجال القضاء! وأكد أن المحكمة تعتبر محايدة، وطالب المحكمة بأن تكون مماثلة لهذه المحكمة، وأن تطبق القانون كما طبقه موكله عواد البندر، وكانت الكاميرا أثناء حديثه تنقل لنا ردة فعل ممثلي الادعاء العام، والتي تفاوتت بين ابتسامة ساخرة من قبل الموسوي، وتبادل نظرات وهمسات السخرية بين زميليه الجالسين عن يمينه وشماله.

ـ محامي عواد البندر ينبه إلى أن اللجنة التي تشكلت برئاسة حسين كامل عليها بعض الملاحظات التي يريد أن يبينها للمحكمة الملحوظة الأولى له هي أن اللجنة تشكلت بعد أكثر من ثلاث سنوات من صدور الحكم، والملحوظة الثانية أنه لم توجد فقرة لاستقدام الشخصين اللذين هما جاسم محمد رضا الحد وعلي حبيب جعفر، والملحوظة الثالثة لم يدل المشتكيان بإفادة تثبت حضورهما للمحكمة، والملحوظة الأهم التي أبداها المحامي هو أن صدام حين عُرضت عليه ملحوظات اللجنة التي رأسها حسين كامل لم يعمل بموجبها، ولم يُوقِع عقاباً على أحد! مما يدل على عدم قناعته بها مع ما عُرف عنه بأن لا يجامل أحداً على حساب الحق!

ـ محامي عواد البندر يتعجب ممن يقول أن المحكمة قرارتها على الورق مع أن هناك مستنداً ورقياُ يثبت أن عدد أوراق القضية التي نظرتها أكثر من ثلاث مئة ورقة! ويطالب المحكمة بالنظر في هذه الأوراق، حينها سأله القاضي رؤوف عبدالرحمن مستنكراً بتعجب: أين هذه الإضبارة من أين تريد أن نحضرها لك؟ فأجابه بأنها موجودة في ديوان الرئاسة، والأمريكان يعرفونها ومن جاء بقرار اللجنة يستطيع المجيء بها!

ـ محامي عواد البندر يعيد الحديث عن الإضبارة بقوله: إن ما يستلزمه حق الدفاع الوقوف على جميع ما اشتملت عليه إضبارة القضية محل بحث الحكم الصادر على المدانين في قضية الدجيل، وقد تبين من خلال سير التحقيق والمحاكمة أن هناك خمس مستندات أبرزت أمام هيئة التحقيق والمحكمة، وهي كتاب إحالة القضية الموقع من قاضي التحقيق، وقرار الإحالة، وقرار الإدانة، وقرار الحكم، والمرسوم الجمهوري المصادق على الحكم، وأن القول بأن إضبارة القضية غير موجودة غير وارد بدليل أن المستندات الخمسة استلت منها فكيف تكون غير موجودة؟ لذا فإن الدفاع يؤكد الطلب وضرورة جلب هذه الإضبارة؛ لغرض الاطلاع عليها، وتأسيس الدفاع على ما تحصل فيها للدفاع عن موكلي، والقاضي رؤوف عبدالرحمن يعيد طرح سؤاله الذي سبق له توجيهه إلى محامي الدفاع: أين هذه الإضبارة أينها ومحامي الدفاع يعيد إجابته: من جاء بقرار الإدانة وقرار الحكم يستطيع المجيء بها! من هو الشخص الذي أحضرها؟ هو ذاته أخذها من الإضبارة، وهو الذي يمكن أن يأتي بها! والقاضي يرد عليه: بأنك كمحامي يهمك الدفاع عن موكلك يجب أن تأتي بها، فيرد عليه المحامي متعجباً: أنا آتي بها؟! هذه وثائق رسمية، ووثائق دولة! والقاضي يرد عليه: بأن المحكمة تحصل على الوثائق من الادعاء والدفاع، وإذا كنت تعلم مكان الوثائق؛ فأرشدنا لها حتى نطلبها ثم يسأله: من أين أحضرتَ الوثائق التي أبرزتها فيرد عليه المحامي: من الادعاء العام، وفي هذه اللحظة طلب الادعاء العام المداخلة، ونهض المدعي العام جعفر الموسوي من مكانه وقال: إن تأكيد وكيل المتهم على أن الادعاء العام هو الذي زوده بالوثائق يؤكد على أن الادعاء العام حريص وأمين على تزويد الأخوة المحامين بكل الوثائق التي تم العثور عليها أو أصبحت تحت يد الادعاء العام، ومن يريد أن يثبت شيء عليه أن يأتي بالدليل، والدفاع يزعم أن هذه الإضبارة لدى الادعاء العام، وعليه أن يأتي بالدليل على ذلك، والقاضي ـ إنهاءً للجدل ـ يقترح على الدفاع العام أن يراجعوا محكمة التحقيق، ولديها علم بمكان الإضبارة أو الجهة التي تحتفظ بها سواء أكان الطلب عن طريقكم أم عن طريق المحكمة وبذلك ننتهي!

(يقع في نفسي أن الدفاع صادق في إلماحته إلى أن الادعاء العام متواطئ في إخفاء الإضبارة لأن إظهارها سيدخل المحكمة في دهاليز لا نهاية لها)

ـ محامي عواد البندر يستدل بأقوال وضاح الشيخ التي أدلى بها في شهادته قبل وفاته، والادعاء العام يعترض متهكماً على هذا الاستدلال بأنه لا يجوز للدفاع أن يستدل بأقوال من طعنوا في شهادته، والقاضي مبتسماً يوافق الادعاء العام على اعتراضه، ويؤكد صحة ما قاله! لكن محامي عواد البندر يفاجئهم بتأكيد أنه وموكله عواد البندر لم يطعنا في شهادة وضاح الشيخ والقاضي محرجاً يلتزم الصمت!

ـ محامي عواد البندر يختم ملاحظاته باعتراض أخير: لم تجر ِ في دولة من دول العالم أن محكمة تحاكم محكمة، فلا يجوز ذلك لأن معناه أن القضاء لا يستقل ولا تثبت أحكامه! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات متاحة للجميع