الجلسة السابعة



الجلسة السابعة من محاكمة صدام ورفاقه في قضية الدجيل














ـ وجوه الذين قدموا إلى المحاكمة يعلوها القلق، والقاضي لا يقل عنهم قلقاً، جميعهم جالسون في أماكنهم والواحد منهم ليس عنده أي فضول للنظر إلى من حوله أو حتى لتقليب نظره في وجوه القضاة ومساعديهم.. إحياناً تجدهم يحدقون في مكان ثابت أمامهم لا يبتعدون بأبصارهم عنه، وهذا يدل على أنهم يسرحون بفكرهم بعيداً؛ لعلهم يتذكرون أنهم كانوا يوماً يجلسون في مكان القضاة، ويتيهون بنفوذهم وسلطانهم على المتهمين المساكين، وهاهم الآن يتجرعون ذات الكأس الذي أذاقوا الناس من غصصه كثيراً!

ـ الله أكبر! من كان يصدق أن صدام بهيلمانه وجبروته وغطرسته واستعلائه سيمثل يوماً أمام المحكمة كاسف البال مهيض الجناح يتوسل العفو من القاضي رزكار، ويلتمس لذلك كل الحجج، لم أتعاطف مع صدام يوماً؛ لأني قرأت عن جرائمه الشيء الكثير، ولا تزيدني القراءة عنه إلا كرهاً له وشماتة به! واختلافي الديني مع الشيعة لا يجعلني أسيغ ظلمهم على النحو الذي فعله معهم صدام وزمرته؛ وإن كان الشيعة فيما بعد قد مارسوا ذات الدور القميء مع أهل السنة في العراق حين آل الحكم إليهم!

ـ يبدو أن الشهود تم تلفيقهم وتلقينهم ما يقولون! وإلا هل يعقل أن ينسى طالب اسم المدرسة الابتدائية التي درس بها؟ (سأل المحامي الشاهد عن اسم المدرسة فلم يجب) وانظر إلى ذكاء المحامي حين لم يتمسك بسؤاله بل تجاوزه، وهذا تكتيك موفق لأنه سيثير القاضي أولاً وثانياً أنه تم تسجيله وتقييده في المحاضر؛ وعليه يمكن العودة إليه متى احتيج إليه، بالفعل المحامون دهاة لا يُستهان بهم!

ـ القاضي رزكار ضعيف الشخصية، وتشعر كأنه خائف منهم، إنه كالمذهول الذي لا يصدق أن من يقف أمامه هو صدام حسين ذلك الرئيس الذي كان يرتجف وهو ينطق باسمه إلى سنوات قليلة.

ـ في كل مرة يبدأ فيها شاهد جديد في الإدلاء بشهادته تعتري المتهمين حالة من الارتباك يمكن ملاحظتها من خلال إيماءت أجسادهم وحركات أيديهم.

ـ يبدو من حديث برزان التكريتي أنه مستمتمع بما يقوله، ويرى في قوفه بالمحكمة فرصة ليس للدفاع عن نفسه بل وللدعاية لها، والظهور في ثوب البطل الواثق من نفسه والمعتز بتاريخه، هذه الصورة تتناقض كلية مع الظهور التالي له بقميص النوم وصراخه وإعطائه ظهره للمحكمة!

ـ يا برزان أسمع كلامك يعجبني أرى أفعالك أتعجب!

ـ في هذه الجولة كان الانتصار للمتهمين على القاضي والادعاء والشهود! يكفي أن تنظر في وجوههم، وتستمع إلى نبرة حديثهم الواثق حتى تكتشف هذا.

ـ برزان يتحايل عليهم من أجل التشتيت كأنه يريد إطالة أمد المحاكمة لشيء في نفسه، يكاد فمه يفتر عن ابتسامة سخرية بهم، حتى صدام صار يضحك من أسلوب برزان لأنه يعرف جده من هزله!

ـ المخرج التلفازي لهذه الجلسة يركز الكاميرا على بعض التعبيرات التي يبديها المتهمون أثناء استماعهم لأقوال الشهود، فمرة يخرج لنا أحد المتهمين وقد أغمض عينيه بالكامل، وآخر قد أمال رأسه مطرقاً يفكر، وآخر يسرح بعينيه بعيداً في أرجاء المحكمة.

ـ يبدو أن الملل تمكن من نفوس كثير من المتهمين فغدو غير مهتمين كثيراً بما يقوله بعض الشهود الذين لا يكادون يأتون بشيء جديد لم يقله صحابهم، حتى القاضي رزكار أمين تأثر بأجواء الملل هذه، فوضع يده على خده وشاركهم حال السأم هذه، لكن صدام وحده لا يزال حاضر البديهة متقد الذهن! وهاهو قد وضع النظارة على عينيه وأكب يكتب على ورق في حجره يدون به إمَّا ملحوظات على شهادة المشتكي أو يكتب دفاعاً يترافع به أمام القاضي. 

ـ يذكر أحد الشهود أن العائلات المحجوزة تبرعت جبراً للمجهود الحربي في حرب الحكومة العراقية ضد إيران، وهذا الأمر سبق لبعض المتهمين أن أشار إليه لكنه لم يقل إنه تم إجبار العوائل عليه بل سرد هذا الخبر في معرض تأكيده أن هذه العوائل لم تجرد من أموالها إذ لو كان ذلك لما استطاعت أن تتبرع بشيء.

ـ قدم عصام الغزاوي سؤالاً قوياً للمحكمة حين قال: هل عجزت الدجيل ذات النصف مليون شخص! أن تقدم شهوداً أقوى من هؤلاء العشرة من القصر والأربع من البالغين وبعضهم من المعمرين الذين يشك في قواهم العقلية! المثير أن الكاميرا عندما تابعت ردود فعل أعضاء الادعاء العام التقطت إيماءت إيجاب من أحدهم(هز رأسه للأسفل) مؤمناً على ما قاله المحامي، ولعل ردة الفعل هذه تمت منه رغماً عنه، ورغماً عن الكاميرا المتحيزة عادة.

ـ سجلت على القاضي رزكار أنه في كل مرة يتحدث عن العراقيين الأصليين فإنه إما يغمض عينيه أو يُصاب بوجوم، ولهذا دلالته فالقاضي من القومية الكردية في العراق.

ـ تحدث برزان عن إصابته بالسرطان وعدم حصوله على الرعاية الطبية التي تتناسب مع هذا المرض الذي يعرف طبيعته جيداً بسبب إصابة زوجته، وقال إن القانون والضمير الإنساني ينص على أن من يُصاب بهذا المرض يفرج عنه، وهو بحسب ما يقول يسرد هذا الكلام لا يستعطف به أحداً ولكنها حقيقة يضعها أمام الجميع.

ـ الاستماع للشهود مضجر جداً ومضيعة للوقت ليس لأن أقوالهم مكررة فقط بل ولرداءة الصوت القادم من المصدر في المحكمة! والمثير المضحك أن من في المحكمة يشكون من عدم سماعهم للصوت جيداً مما اضطر القاضي أكثر من مرة إلى أن يطلب من الشهود رفعه، بل الأطرف من هذا أن الشهود أنفسهم يطلبون ممن في المحكمة رفع أصواتهم أو إعادة كلامهم حتى يفهموه! وإذا كان هذا حال من هو في داخل المحكمة مع الصوت فكيف بحال من يشاهدها متلفزة؟!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات متاحة للجميع